First Previous Next Last

الصلح على التراضي بين الخصمين على إسقاط بعض الحق، وهو الأظهر هنا. واصطلح الفقهاء من المالكية: على إطلاق الافتداء على اختلاع المرأة من زوجها بمال تعطيه، وإطلاق الخلع على الاختلاع بإسقاطها عنه بقية الصداق، أو النفقة لها، أو لأولادها.
ويحتمل أن تكون صيغة {لا جناح} مستعملة في التحريض على الصلح. أي إصلاح أمرهما بالصلح وحسن المعاشرة، فنفي الجناح من الاستعارة التمليحية؛ شبه حال من ترك الصلح واستمر على النشوز والإعراض بحال من ترك الصلح عن عمد لظنه أن في الصلح جناحا. فالمراد الصلح بمعنى إصلاح ذات البين، والأشهر فيه أن يقال الإصلاح. والمقصود الأمر بأسباب الصلح، وهي: الإغضاء عن الهفوات، ومقابلة الغلظة باللين، وهذا أنسب وأليق بما يرد بعده من قوله {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ}.
وللنشوز والإعراض أحوال كثيرة: تقوى وتضعف، وتختلف عواقبها، باختلاف أحوال الأنفس، ويجمعها قوله {خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً}. وللصلح أحوال كثيرة: منها المخالعة، فيدخل في ذلك ما ورد من الآثار الدالة على حوادث من هذا القبيل. ففي صحيح البخاري، عن عائشة، قالت في قوله تعالى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً} قالت: الرجل يكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها، فتقول له أجعلك من شأني في حل. فنزلت هذه الآية. وروى الترمذي، بسند حسن فن ابن عباس، أن سودة أم المؤمنين وهبت يومها لعائشة. وفي أسباب النزول للواحدي: أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا، أي كبرا فأراد طلاقها، فقالت له: أمسكني واقسم لي ما بدا لمك. فنزلت الآية في ذلك.
وقرأ الجمهور: {أن يصالحا} بتشديد الصاد وفتح اللام وأصله يتصالحا، فأدغمت التاء في الصاد. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف: أن يصلحا بضم التحتية وتخفيف الصاد وكسر اللام أي يصلح كل واحد منهما شأنهما بما يبدو من وجوه المصالحة.
والتعريف في قوله {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} تعريف الجنس وليس تعريف العهد، لأن المقصود إثبات أن ماهية الصلح خير للناس، فهو تذييل للأمر بالصلح والترغيب فيه، وليس المقصود أن الصلح المذكور آنفا، وهو الخلع، خير من النزاع بين الزوجين، لأن هذا، وإن صح معناه، إلا أن فائدة الوجه الأول أوفر، ولأن فيه التفادي عن إشكال تفضيل الصلح على النزاع في الخيرية مع أن النزاع لا خير فيه أصلا. ومن جعل الصلح