First Previous Next Last

شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى"، وقال تعالى {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9] ويطلق على حرص النفس على الحقوق وقلة التسامح فيها، ومنه المشاحة، وعكسه السماحة في الأمرين.
فيجوز أن يكون المراد بالصلح في هذه الآية صلح المال، وهو الفدية. فالشح هو شح المال، وتعقيب قوله {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} بقوله {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ} على هذا الوجه بمنزلة قولهم بعد الأمر بما فيه مصلحة في موعظة أو نحوها: وما إخالك تفعل، لقصد التحريض.
ويجوز أن يكون المراد من الشح ما جبلت عليه النفوس: من المشاحة، وعدم التساهل، وصعوبة الشكائم، فيكون المراد من الصلح صلح المال وغيره، فالمقصود من تعقيبه به تحذير الناس من أن يكونوا متلبسين بهذه المشاحة الحائلة دون المصالحة.
وتقدم الكلام على البخل عند قوله تعالى {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ} في سورة آل عمران [180]. وقد اشتهر عند العرب ذم الشح بالمال، وذم من لا سماحة فيه، فكان هذا التعقيب تنفيرا من العوارض المانعة من السماحة والصلح، ولذلك ذيل بقوله {وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} لما فيه من الترغيب في الإحسان والتقوى. ثم عذر الناس في شأن النساء فقال {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} أي تمام العدل. وجاء بلن للمبالغة في النفي، لأن أمر النساء يغالب النفس، لأن الله جعل حسن المرأة وخلقها مؤثرا أشد التأثير، فرب امرأة لبيبة خفيفة الروح، وأخرى ثقيلة حمقاء، فتفاوتهن في ذلك وخلو بعضهن منه يؤثر لا محالة تفاوتا في محبة الزوج بعض أزواجه، ولو كان حريصا على إظهار العدل بينهن، فلذلك قال {وَلَوْ حَرَصْتُمْ}. وأقام الله ميزان العدل بقوله {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}، أي لا يفرط أحدكم بإظهار الميل إلى إحداهن أشد الميل حتى يسوء الأخرى بحيث تصير الأخرى كالمعلقة. فظهر أن متعلق {تميلوا} مقدر بإحداهن، وأن ضمير {تذروها} المنصوب عائد إلى غير المتعلق المحذوف بالقرينة، وهو إيجاز بديع.
والمعلقة: هي المرأة التي يهجرها زوجها هجرا طويلا، فلا هي مطلقة ولا هي زوجة، وفي حديث أم زرع "زوجي العشنق إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق"، وقالت ابنة الحمارس: