هذا ما أراه في معنى الجواب. وقال المفسرون: جملة الجزاء تحريض على العفو ببيان أن فيه تخلقا بالكمال، لأن صفات الله غاية الكمالات. والتقدير: إن تبدوا خيرا الخ تكونوا متخلقين بصفات الله، فإن الله كان عفوا قديرا، وهذا التقدير لا يناسب إلا قوله {أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ} ولا يناسب قوله {إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ} إلا إذا خصص ذلك بإبداء الخير لمن ظلمهم، وإخفائه عمن ظلمهم. وفي الحديث "أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك".
[152,150] {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}.
عادة القرآن عند التعرض إلى أحوال من أظهروا النواء للمسلمين أن ينتقل من صفات المنافقين، أو أهل الكتاب، أو المشركين إلى صفات الآخرين، فالمراد من الذين يكفرون بالله ورسله هنا هم اليهود والنصارى، قاله أهل التفسير. والأظهر أن المراد به اليهود خاصة لأنهم المختلطون بالمسلمين والمنافقين، وكان كثير من المنافقين يهودا وعبر عنهم بطريق الموصول دون الاسم لما في الصلة من الإيماء إلى وجه الخبر، ومن شناعة صنيعهم ليناسب الإخبار عنهم باسم الإشارة بعد ذلك.
وجمع الرسل لأن اليهود كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام، النصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فجمع الرسل باعتبار مجموع الكفار، أو أراد بالجمع الاثنين، أو أراد بالإضافة معنى الجنس فاستوى فيه صيغة الإفراد والجمع، لأن المقصود ذم من هذه صفتهم بدون تعيين فريق، وطريقة العرب في مثل هذا أن يعبروا بصيغ الجموع وإن كان المعرض به واحدا كقوله تعالى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} [النساء:54] وقوله {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:37] {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة:44] وقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما بال أقوام يشترطون شروطا".
وجيء بالمضارع هنا للدلالة على أن هذا أمر متجدد فيهم مستمر، لأنهم لو كفروا في الماضي ثم رجعوا لما كانوا أحرياء بالذم.
ومعنى كفرهم بالله: أنهم لما آمنوا به ووصفوه بصفات غير صفاته من التجسيم