واتخاذ الصاحبة والولد والحلول ونحو ذلك، فقد آمنوا بالاسم لا بالمسمى، وهم في الحقيقة كفروا بالمسمى، كما إذا كان أحد يظن أنه يعرف فلانا فقلت له: صفه لي، فوصفه بغير صفاته، تقول له: أنت لا تعرفه ؛ على أنهم لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفروا بما جاء به من توحيد الله وتنزيهه عن مماثلة الحوادث، فقد كفروا بإلهيته الحقة، إذ منهم من جسم ومنهم من ثلث.
ومعنى قوله {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} أنهم يحاولون ذلك فأطلقت الإرادة على المحاولة، وفيه إيذان بأنه أمر صعب المنال، وأنهم لم يبلغوا ما أرادوا من ذلك، لأنهم لم يزالوا يحاولونه، كما دل عليه التعبير بالمضارع في قوله {وَيُرِيدُونَ} ولو بلغوا إليه لقال: وفرقوا بين الله ورسله.
ومعنى التفريق بين الله ورسله أنهم ينكرون صدق بعض الرسل الذين أرسلهم الله، ويعترفون بصدق بعض الرسل دون بعض، ويزعمون أنهم يؤمنون بالله، فقد فرقوا بين الله ورسله إذ نفوا رسالتهم فأبعدوهم منه، وهذا استعارة تمثيلية، شبه الأمر المتخيل في نفوسهم بما يضمره مريد التفريق بين الأولياء والأحباب، فهي تشبيه هيئة معقولة بهيئة معقولة، والغرض من التشبيه تشويه المشبه، إذ قد علم الناس أن التفرقة بين المتصلين ذميمة.
وهذه الآية في معنى الآيات التي تقدمت في سورة البقرة {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:
[136] {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة:285]، وفي سورة آل عمران {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:84] إلا أن تلك الآيات في التحذير من التفريق بين الرسل، والآية هذه في التحذير من التفريق بين الله وبعض رسله، ومآل الجميع واحد: لأن التفريق بين الرسل يستلزم التفريق بين الله وبعض رسله.
وإضافة الجمع إلى الضمير هنا للعهد لا للعموم بالقرينة، وهي قوله {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ}.
وجملة {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ} واقعة في معنى الاستئناف البياني للتفريق بين الله ورسله، ولكنها عطفت؛ لأنها شأن خاص من شؤونهم، إذ مدلولها قول من أقوالهم الشنيعة، ومدلول {يريدون} هيئة حاصلة من كفرهم، فلذلك حسن العطف باعتبار المغايرة ولو في الجملة، ولو فصلت لكان صحيحا.
ومعنى {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ} الخ أن اليهود يقولون: نؤمن بالله وبموسى ونكفر بعيسى